الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة الكرة التونسية وباخرة تيتانيك الأنقليزية!

نشر في  15 جانفي 2014  (11:43)

إن عملية اختيار المدرب الوطني الجديد - وعلى قدر أهمّيتها - لا يمكن أن تمثّل مخرجا للأزمات في الكرة التونسية أو تختزل مشاكلها ومعاناتها اليومية، ذلك أنّ المدرب الجديد الذي سيقع الإختيار عليه لن يغيّر شيئا من أوضاعنا الكروية مهما كان إسمه وحجمه ومهما كانت شهرته، لأن نجاح أيّ مدرب يستوجب توفّر الشروط الأساسية للنجاح والعوامل المُؤدّية له. ولئن أصابت جامعة الكرة بإلتجائها للخبراء والفنيين والمختصين وإشراكهم في اتخاذ القرار أو على الأقل في التمهيد إليه والمساهمة فيه انطلاقا من تجاربهم وخبراتهم ومعرفتهم بإمكانات وحاجيات الكرة التونسية في المرحلة الراهنة، خصوصا وكنا من الذين طالبوا بالإستئناس بأفكار وآراء الفنيين التونسيين واستشارتهم في المسائل والقرارات التي تهم حاضر ومستقبل الكرة في بلادنا، فإن ذلك لن يكون كافيا للخروج بالقرار السليم والإختيار الصائب لا سيما في ظل تعدّد الأسماء المرشحة من تونس وخارجها لتحمّل هذه المسؤولية، وفي ظل اختلاف الرُؤَى وتضارب الآراء والمواقف بين جميع الأطراف المعنية بعملية الإختيار هذه. لذلك نعتقد أن عملية الإختيار يجب أن تقوم أولا وبالذات على الإمكانات المادية للجامعة والمبالغ التي يمكن توفيرها لدفع أجور الإطار الفني للمنتخب الأول، وفي هذا الإطار لا يمكن لجامعتنا المفلسة التي تعيش ضائقة مالية غير مسبوقة أن تجلب مدربا يتقاضى راتبا شهريا يتجاوز ما تسمح به ميزانيتها.. وإذا علمنا أن معدّل أجرة مدرّب ذائع الصّيت لا يقلّ عن مائة ألف دولار شهريا فإن ذلك يعني أن الإستنجاد بممرن أجنبي معروف أمر صعب المنال، بل ومستحيل التجسيم انطلاقا من الأوضاع الإقتصادية والمالية الحرجة التي تمرّ بها البلاد ومن ورائها الجامعة التونسية لكرة القدم. وفضلا عن الماديات، لابد أن يكون اختيار المدرب الوطني مرتبطا أيضاً بالأهداف المرسومة التي نتطلّع لتحقيقها، وأن يكون هذه الأهداف منطقية بعيدة كل البعد عن المغالطة والمبالغة والتضخيم، بمعنى آخر يجب أن تكون هذه الأهداف متماشية وامكاناتنا ومستوى كرتنا وبطولتنا ولاعبينا ومسيرينا، فلا يمكن مثلا أن نضع في أهدافنا الحصول على كأس أمم إفريقيا أو الوصول إلى المربّع الذهبي ونحن غير قادرين على ضمان الترشّح أصلا لهذه النهائيات، أو مطالبة المدرّب الجديد بتأهيل المنتخب إلى نهائيات كأس العالم والحال أن مجموعة اللاعبين الموجودة تحت تصرّفه غير قادرة على الذهاب حتى لمسابقة كأس افريقيا للاعبين المحليين. وبالتالي علينا أن نكون واقعيين ومنطقيين ولا نبيع الأوهام لجماهيرنا التي تُدرك بدورها حقيقة أوضاعنا الكروية وحالة الإفلاس المالي والفني التي أصابتنا وأعادتنا عشرات السنوات إلى الوراء. إن الوضع الرّاهن يفرض على الجميع الإلتجاء للحكمة في التعامل مع الواقع الجديد والتحلّي بالشجاعة في اتخاذ القرارات المصيرية وإن كانت مُؤلمة، والإعتراف بأن كرتنا تمرّ بمرحلة انتقالية حرجة نرجو ألاّ تطول وألاّ تدُوم حتى لا نفقد بصيص الأمل في العودة إلى مصاف الكبار بالسرعة القصوى وبأخف الأضرار الممكنة. والثابت أنّ بداية القرارات «المُؤلمة» يجب أن تشمل نظام البطولة وعدد النوادي المنتمية للرابطة المحترفة الأولى، التي يفترض ألاّ يتجاوز عددها 12 فريقا حسب ما أكّده الفنّيون والمختصّصون بمن في ذلك اللجنة الفنية التابعة للإتحاد الدولي لكرة القدم التي كانت اقترحت على الجامعة التونسية منذ 3 سنوات التقليص في عدد الفرق ليتحسّن المستوى ويرتفع النّسق، لأن بطولة قوية تُنجب منتخبا قويا عتيدا خصوصا أننا لا نمتلك لاعبين محترفين كبارا يلعبون في أقوى النوادي والبطولات الأوروبية، بل إنّ محترفينا أغلبهم احتياطيون أو أساسيون في بطولات لا تسمن ولا تُغني من جوع. إلى جانب ذلك لابد من البحث عن الحلول الكفيلة بتهيئة الملاعب وتعشيبها وصيانتها بعد أن أصبحت تصلح لكل شيء إلا لاحتضان مباريات في كرة القدم.. إضافة إلى الملاعب وحجرات الملابس والمدرجات لابد من الإلتفات بجدّية لأصناف الشبّان التي تشكو الفقر والإهمال في أغلب النوادي، والتركيز على عمليات اكتشاف البراعم وبعث اختصاص لهذا الغرض صلب الإدارة الفنية للجامعة التونسية لكرة القدم، لأن الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة وداخل الجمهورية تعجّ بالمواهب والفلتات الكروية التي ليس لديها المال والجاه والأكتاف للإلتحاق بالنوادي الكبرى، فتنتهي مسيرتها قبل أن تبدأ نتيجة الظلم والإهمال والنسيان. وهنا أريد أن أستشهد بمنتخب نيجيريا للناشئين الذي فاز منذ شهرين بكأس العالم التي احتضنتها الإمارات العربية المتحدة والذي ينتمي كل لاعبيه إلى الأكاديميات والمدارس ولا يوجد في صفوفه لاعب واحد ينتمي إلى فريق رياضي نيجيري. ومع العناية بالشبان والإهتمام بالملاعب أصبحت الضرورة تقتضي إرساء قوانين وتشريعات تواكب التطور الرياضي وتساعد الجمعيات على تحسين مداخيلها وتنويع مواردها، وتحديد سقف أعلى لرواتب وأجور اللاعبين والمدربين حسب مداخيل الجمعيات وميزانياتها وترتيبها ومشاركاتها الخارجية... وهكذا فلئن كانت عملية اختيار المدرب الوطني أولوية، فإن أولوية الأولويات تتمثل في إتخاذ الإجراءات الضرورية لإنقاذ الكرة التونسية والقيام بالإصلاحات العاجلة حتى لا يحصل لكرتنا ما حصل لسفينة «تيتانيك» باخرة الركاب الأنقليزية العملاقة التي كانت أكبر باخرة نقل ركابا في العالم تم بناؤها في ذلك الوقت. تلك الباخرة العملاقة وفي أول رحلة لها في أفريل 1912 من لندن إلى نيويورك عبر المحيط الأطلسي، وبعد أربعة أيام من انطلاقها اصطدمت بجبل جليدي مما أدى إلى غرقها بالكامل بعد ساعتين وأربعين دقيقة من لحظة الاصطدام. هذه الباخرة تمّ بناؤها على أيدي أمهر المهندسين وأكثرهم خبرة، واستخدمت في عملية البناء أكثر أنواع التقنيات تقدماً حتى ساد الاعتقاد بأنها السفينة التي لا يمكن إغراقها، لذلك مثّل غرقها صدمة كبرى للجميع خصوصا وهي مُزوّدة بأعلى معايير السلامة. وبالتالي لا يجب أن يسود الإعتقاد بأن كرتنا بخير وبأن عثراتنا عابرة حتى لا يحصل لها ما حصل لتيتانيك، لأنّ أيّ تقصير أو تهاون أو خلل في أيّ مجال من المجالات سيُؤدي حتما إلى الإخفاق والفشل أو الكارثة سواء تعلّق الأمر بباخرة أو طائرة أو سيارة أو بإدارة أو وزارة أو بجامعة رياضية أو جمعيّة كروية، وعليه يجب الإقرار بالفشل والتخلّف والتهاون والتقصير والمرض الذي أصاب الكرة في بلادنا وجعلها في وضع لا تحسد عليه، وضع يتطلّب استفاقة حاسمة وحلولا عاجلة وقرارات شجاعة ثورية. إنطلقت الجامعة التونسية لكرة القدم في مشاوراتها لاختيار مدرب جديد للمنتخب الوطني خلفا للهولندي رود كرول الذي كان أشرف على حظوظ منتخبنا في المباراتين الفاصلتين ضد الكامرون من أجل التأهل إلى مونديال البرازيل. وتأتي عملية البحث عن مدرب جديد في وقت تمرّ فيه الكرة التونسية بمرحلة صعبة وحرجة نتيجة الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية السائدة في البلاد، ونتيجة أيضاً للتدهور الخطير الذي مانفكّت تشهده كرتنا بسبب تراجع المداخيل والعائدات وهو ما نتج عنه تراجع في النتائج والمستوى وتخلّف عن الحضور في نهائيات كأس العالم، الشيء الذي زاد في أوجاع وأمراض كرتنا التي باتت في حاجة أكيدة وماسّة لإصلاحات جوهرية وعميقة ناجحة وناجعة حتى لا نقضي بصفة نهائية على ما تبقى لنا من .أمل في الخروج من الوضع الذي آلت اليه وتردّت فيه...

بقلم: عادل بوهلال